لماذا نقرأ...؟
كثيرا ما يطرح السؤال لماذا نكتب…؟
و قليلا ما يطرح السؤال الأم لماذا نقرأ…؟
لماذا سميت هذه الأمة باسم “أمة إقرأ”…؟
لأن القراءة هي بوابة العلم ،بوابة المعرفة،بوابة الوجود الحي، بوابة الكينونة الهادفة، بوابة الولادة…هي أم العباقرة و أم العلماء و الفقهاء و الكتاب و المجلدات و الابتكارات و الاختراعات هي أم الشعراء و الخطباء…لذلك كان أمر الله عز و جل لهذه الأمة في أول خطاب من السماء إلى الأرض هو “اقرأ”…اقرأ حتى تجد بعد حين ما تكتب…ما تقدم لنفسك و لغيرك…حتى تكون ضمن من قال فيهم الله عز و جل:
”كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)سورة آل عمران.”
فأين نحن من اقرأ التي جعلت الأولين في قمة الحضارة العقلانية الإنسانية من أمة الإسلام بمختلف الأجناس و الأعراق…الفعل الذي استوعبه الغرب جيدا فجعل منه (أي الغرب) ما هو عليه اليوم…
فأين نحن من تفعيل هذا الفعل…و من تحبيبه للأجيال القادمة…و من تتبيته في سلوكها… لكي تخرج هذه الأمة من غيبوبتها…إن هذه الأمة أشبه ما تكون في غرفة الإنعاش…في العناية المركزة…فإذا لم تعتن بالقراءة و مؤسسات القراءة و تصنع جيل القراءة…فتظل على الهامش…و ما أدراك ما الهامش…؟
فليكن عام جديد عام يقرأ فيه الناس قدر ما استطاعوا…عام القراءة…
قال أحد المفكرين: قل لي ماذا تقرأ…؟ أقول لك من أنت…؟!
اقرأ...ثم اقرأ...ثم اقرأ...ففي القراءة زراعة...زراعة الحروف و الكلمات و الجمل و الصور و التراكيب...زراعة العواطف و الارتواء من المشاعر و أحاسيس الآخر...الآخر الذي يشاركك الأرض و السماء...عبر كتاباته....عبر تجاربه...عبر حكمته...عبر جنونه...
القراءة مفتاح الكتابة...و كل مفتاح يتطلب باب...و باب الكتابة سؤال يطرق الوجود و الكينونة…زسؤال يتمدد علىالورق و يأخذ بالقلم ليسطر للأجيال اللاحقة أهضل و أحسن ما توصل إليه ال…و خطه بالقلم…
يسألك:لماذا أنت موجود...؟ ما الغاية من كونك مختلف في شكلك متميز في طريقة تفكيرك عن الآخر حتى في بصماتك...؟ لماذا كرم الله ذرية آدم على سائر المخلوقات...؟ أسئلة تتوالد بين رحم سطور الأمكنة التي نعيش فيها...؟ أسئلة تنبع من تيار الزمان الذي يجري بنا و يسري في عروقنا...؟ لماذا نشعر بهذا التيار في بعض اللحظات و كأنه يسير بسرعة السلحفاة و مرة يبدو ثقيلا كأنه الجبل...؟
الكتابة بعد المخاض بعد التدبر بعد التفكر بعد التأمل تأتي كشلال منهمر ليروي ظمأ السائل...تحضر كالبريق لتضيء فضاء اللحظة بنور اليقظة...تحدث رعدا في بعض الأحيان ،فيهتز المتلقي من مكانه و كأنه لم يكن حاضرا من قبل...تحضر كالشعاع الذي ينير الطريق الملتوية بين دهاليز الجهل و الخوف و الشك و الارتياب...
الكتابة في حقيقتها سؤال يتمدد بين الحروف كاشفا للقارئ وجه الحقيقة...الكتابة هي قراءة صامتة للوجود...و القراءة هي صوت الكائنات المختفية وراء الحروف...
�������������� ���������